بسم الله الرحمن الرحيم
أرضية الندوة التي تنظمها جماعة العدل والإحسان بالدار البيضاء بمناسبة الذكرى 40 لتأسيس الجماعة
العنوان:
القوى المجتمعية وتنمية الوعي السياسي: الأدوار والفرص والتحديات
التاريخ: 18 فبراير 2023.
لقد كان في المغاربة، دوما وأبدا، أشراف وأخيار، يتقدمون إلى الأمام، ويوجهّون المسار، ويدلون الناس على الخير، ويبعثون فيهم الوعي والأمل والعمل. شكّلوا جبهة، بل جبهات على اختلاف الأزمنة، للتعليم والتربية والنضال والجهاد، قادها علماء ومرابطون ووطنيون ومثقفون وساسة… تزرع الوعي وتسدد الفهم وتفتح العقل وتصقل الإرادة، وتسهم حقا في تشييد بناء مجتمع مغربي مكين.
ولأن عملهم كان، بالضرورة، شأنا عاما، يخلّص الناس من خويّصات نفوسهم وانكفائهم الذاتي، ويدفعهم ليكونوا مع “الجّْمَاعَة”، يسهمون في نمائها وتطورها ونهضتها وما يعود عليها وعلى سائر أفرادها ومؤسساتها بالنفع، كان “الوعي السياسي”، بما هو إدراك لقضايا الشأن العام والحياة السياسية وتحديد الموقف والسلوك اتجاهها، الحلقة الأساس والغاية الأبرز التي راهنت عليها تلكم القوى والهيئات لمختلف مشاربها، المنحازة للاختيار الشعبي والمدافعة عن السياسة النبيلة.
في واقعنا السياسي المعاصر، والذي يمكن أن نرصد امتداده إلى بواكير الاستقلال المنقوص، تناوبت وتكاملت قوى مجتمعية وسياسية ومدنية على لعب هذا الدور “تنمية الوعي السياسي” وسط المجتمع وشرائحه المختلفة، وتصدّت لخطط “الوعي المزيف” الرسمية وغير الرسمية، التي تشيع في الناس اليأس والأنانية والسلبية والتفاهة… بكثير من البذل والتضحية والعمل والتنظير؛ فاشتبكت مع الواقع، ونزلت إلى الميدان، ورابطت في الكتابة والإعلام، وشيّدت فعلا نضاليا مشهودا، ينحت في صخر الواقع المر ولا يستسلم لقهر السلطان المدعوم بخوف الإنسان، وخرجّت الآلاف من المثقفين والفاعلين المجتمعيين والمناضلين الذين يضحون بالغالي والنفيس لأجل مجتمعهم وحياته الكريمة المفقودة.
في هذا الصدد، تشدّد جماعة العدل والإحسان على أن تنمية الوعي السياسي وتأهيل الإنسان يعد حجر الزاوية لتحقيق التنمية الشاملة والمستقلة التي تنتظم أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في نموذج تنموي فعال وديمقراطي يعكس رؤى المجتمع وهويته وقيمه وتطلعاته نحو التقدم والازدهار، وتفيض ثماره على كل فئات المجتمع دون استثناء.
كما تؤّكد على مركزية الإنسان في بناء المجتمع وترصين عمل سياسي هادف وفعال، وهو ما يقتضي الوعي بأهمية العمل التربوي والتوعوي والتثقيفي والتأهيلي، ومتطلباته الأساسية في البناء الشامل للإنسان تعليما وتكريما وتمكينا، وذلك حتى يكون الإنسانُ الواعي محور كل السياسات والمشاريع والمخططات التنموية، إذ إنه لا يستقيم إصلاح سياسي أو تغيير مجتمعي لا يستهدف النهوض بالإنسان وتمكينه من كافة الحقوق والحاجيات المادية والمعنوية.
إنّه لا يمكن أن يتأتى تمكين الإنسان ليكون فاعلا في محيطه الاجتماعي والسياسي، دون إنضاج وعي سياسي مبني على الإدراك والمعرفة والتجربة والميدان. وعي يتتبع الأحداث ويدرك أبعادها ويبلور المواقف اتجاهها. وعي يفهم الحقوق ويدافع عن الحريات ويرفض السطو عليها. وعي بقدر ما يدرك متطلبات العيش الجماعي والحاجة إلى التنوع والتعدد يعمل على صَوْن الهوية الجامعة وحمايتها. وعي يؤمن أن الديمقراطية شرط لازم لنهضة الأوطان وأن الحرية والكرامة والعدالة في ظل الاستبداد مجرد دعاوى وأوهام. وعي قادر على مجابهة الاستبداد وأدواته، والفساد وأزلامه، منحاز لقضايا البلد ومواطنيه…
إننا، وضمن فعاليات الذكرى الأربعين لتأسيس جماعة العدل والإحسان، إذ نبسط للتحليل والنقاش هذا الموضوع الهام “القوى المجتمعية وتنمية الوعي السياسي: الأدوار والفرص والتحديات”، وهو ما يطرح على طاولة النظر ثنائية الفاعل (القوى المجتمعية) والموضوع (الوعي السياسي)، فإننا نأمل أن تسعى الندوة إلى الوقوف عند ثلاثية: الأدوار المنوطة بالفاعلين بغية تنمية وعي سياسي خلاّق، والفرص المتاحة أمامهم للنهوض بهذا الدور المحوري، والتحديات التي تعترض سبيلهم.
ورغبة منا في الوقوف عند إسهام القوى المجتمعية المغربية، وضمنها جماعة العدل والاحسان، في بناء الوعي السياسي المغربي، تتراءى أمامنا، في هذه الندوة الحوارية الوطنية، مجموعة من المطارحات المساهمة في هذا الاستجلاء، عبر محاور أربعة:
1- الوعي السياسي بين إرادة المجتمع وإرادة الدولة.. التقاطعات والمفارقات.
2- أدوار القوى المجتمعية في بناء الوعي السياسي.. الكائن والممكن.
3- مساهمة جماعة العدل والإحسان في تنمية الوعي السياسي.. تقويم واستشراف.
4- تنمية الوعي السياسي.. استغلال الفرص الممكنة وتجاوز التحديات القائمة.
وتقبلوا فائق التقدير والاحترام