رسالة من مَرْيَميّة إلى أختها المقدسية

Cover Image for رسالة من مَرْيَميّة إلى أختها المقدسية
نشر بتاريخ

بقلم: مليكة مجتهد

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.

تحية من نساء المغرب الكبير، تحية إجلال وإكبار إلى أخواتنا المقدسيات المرابطات بالمسجد الأقصى وبيت المقدس، وإلى باقي أخواتنا الفلسطينيات المجاهدات. تحية أيضا إلى إخواننا المجاهدين في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس ممن يرفعون رؤوسنا بإنجازاتهم البطولية وينوبون عن الأمة في الدفاع عن مقدساتنا، ومنهم السند والمعين لأخواتهم وبناتهم المقدسيات والفلسطينيات. تحية لكل المَرْيَميات المساندات والمتضامنات مع جهاد المقدسيات وباقي النساء المجاهدات الفلسطينيات في جميع أصقاع المعمور.

إن المرأة الفلسطينية في بيت المقدس قد كسرت الصورة النمطية المعروفة عن المرأة العربية، فهي اليوم امتداد للسيدة مريم عليها السلام، وامتداد للصحابيات اللواتي تربين في كنف الرسول صلى الله عليه وسلم، والتابعيات المجاهدات الصابرات، اللواتي كن على أثر الصحابيات، وهي اليوم تدخل الجهاد من كل أبوابه، فهي إما شهيدة أو قريبة شهيد، أو أسيرة أو قريبة أسير، أو جريحة أو قريبة جريح، أو طريدة أو قريبة طريد.. وهي أيضا المرابطة في ساحات الأقصى، والمعلمة للقرآن وعلومه في مسطباته، أو المبعدة المعتصمة على أبوابه وطرقاته.

عظيم أن تحمي المرأة المقدسية المسجد الأقصى وأرض المسرى، لكن الأعظم من ذلك أن حمايتها للأرض والأحجار والأسوار مؤشر على حمايتها لما هو أعظم وهو النشء، في برجها الاستراتيجي المحصن، المستهدف من اليهودية الصهيونية بمناهجها التعليمية وبرامجها التهويدية ومخططاتها الجهنمية لمسخه وتدجينه وتهويده. فهي صانعة المستقبل التي تربي الأجيال التي يحقق الله على يدها وعد الٱخرة، وهي المدرسة التي تنور عقولهم بالعلم استشرافا للمستقبل، وتزكي قلوبهم بالإيمان ليكونوا من عباد الله الذين يستحقون نصر الله وتأييده، وتقوي سواعدهم ليكونوا أولي بأس شديد ليسوؤوا وجوه عدو الله وعدونا.

فتحية إجلال وإكبار لك أختي المقدسية، فما أنت إلا نموذج للمرأة الفلسطينية المجاهدة، أخت المرأة الغزاوية المحاصرة الصامدة، والمرأة الضفية والخليلية والنابلسية والحيفاوية المقتحمة والمناضلة.

أنتن اليوم القدوات لنساء الأمة، تجدّدن وتحيين نموذج الصحابيات اللواتي تربين في مدرسة النبوة، تبثثن روح الجهاد في زمن الهزائم، وروح الأمل في ظل اليأس والتيئيس والإحباط والاستسلام.

أختي المقدسية، إذا كنت قد تأسيت بسيدتنا مريم عليها السلام وأحييت نموذجها الخالد، فقد نجحت كذلك في جعل بنات الأمة يرفعن شعار “كلنا مريم” اقتداء بك وارتباطا بموكب النور النبوي، وإنه لشرف عظيم -وربّي- أن نكون كلنا مريم؛ مريم المحراب، مريم الطهر، مريم المصدقة بكلمات ربها وكتابه، مريم المربية والمعلمة لكتابه، مريم القانتة، مريم المرابطة ببيت المقدس الخادمة له ولعماره، والحامية لأبوابه وساحاته ومحرابه، والمسرجة لقناديله، والمطهرة لباحاته من أدناس المحتلين..

نتمنى من الله أن نكون مريميات، فيَمُنّ علينا عز  وجل كما منّ عليها، ويطعمنا مما أطعمها، ويرزقنا مما رزقها، قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ. وهنا ندعو -نحن إيماء الله المستضعفات- ربنا العلي القدير أن يرزقنا الرزق المادي والمعنوي، بأن يسبغ على قلوبنا نورا يضيء طريقنا في عصر الظلمات، ونصرا لأمتنا ينجز الله سبحانه وتعالى به وعد الٱخرة، قال سبحانه فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا صدق الله العظيم.

وإذا كان هنالك من يثبط المسلمات عن واجب الجهاد ويجعلهن حبيسات البيوت، ففي علمائنا، ولله الحمد، من يستنهض الهمم للجهاد ويكسر القيود، أحدهم الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله، عالم من علماء المغرب، الذي يقول في كتابه تنوير المومنات: “ما على المرأة المسلمة جهاد في الساحات الدموية إلا أن يكون النفير العام، عندما يطأ الأعداء الحمى. وهم في الحاضر وطِئوه واحتلوه زمانا بجسومهم حتى باضوا وفرخوا. فالنفير عام لجهاد تتقدم فيه المؤمنات ولا يتأخرن. جهاد آلته العلم وسلاحه الحكمة (..) إنه جهاد مزدوج: حقوقكِ التي كفلها الشرع تنتزعينها من تعسف الرجل، وتتقدمين في العلم لكيلا يحتكر هو الاجتهاد ويميل به إلى سوء استعمال «درجته». ثم واجباتك في صد العدوان على الدين مما يليك” 1.

أخواتي المقدسيات والفلسطينيات المجاهدات؛ إن في المغرب الكبير بنات أبو مدين الغوث وطارق بن زياد ويوسف بن تاشفين.. على أثركن، يشددن على أياديكن، ويدعمن صمودكن، ويفخرن أن فيكن مغربيات مقدسيات مرابطات بالمسجد الأقصى، اختلطت دماؤنا بدمائكن منذ فتح صلاح الدين وإسكانه لنا حارة المغاربة حراسا وحماة وخداما لبيت المقدس والمسجد الأقصى. إننا لنحنّ لبيت المقدس والمسجد الأقصى، كما نحن إلى باب المغاربة وحارة المغاربة ومسجد المغاربة ومئذنة المغاربة وأوقاف المغاربة.

وإنها لعقبة وجهاد حتى النصر إن شاء الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


[1] عبد السلام ياسين، تنوير المومنات، ط 2018/4، دار لبنان للطباعة والنشر – بيروت، ج 1، ص 183.