ادويشي: شعار الدولة الاجتماعية “جعجعة” تتجرع معه الشغيلة كأس “التراجعات” (حوار)

Cover Image for ادويشي: شعار الدولة الاجتماعية “جعجعة” تتجرع معه الشغيلة كأس “التراجعات” (حوار)
نشر بتاريخ

اعتبرت الأستاذة حسناء ادويشي عضو المكتب الوطني للقطاع النقابي لجماعة العدل والإحسان، أن المغرب ما يزال بعيدا عن مقومات الدولة الاجتماعية بسبب “غياب الإرادة الحقيقية”.  وأردفت تقول: “وإلا فما معنى ضرب صناديق التقاعد، وارتفاع معدلات البطالة، وتحرير الأسعار لاسيما المواد الأساسية، وتفويت القطاعات الأساسية؟”.

ادويشي في حوار أجريناه معها في “بوابة العدل والإحسان” بمناسبة اليوم العالمي للشغل قالت إننا “في ظل دولة ترفع شعارات حالمة، واستراتيجية مزيفة، تنتج واقعا اجتماعيا بئيسا، مطبوعا بهموم تثقل كاهل الشغيلة وترفع التحدي أمام النقابات الجادة”.

وبالتالي، تقول المتحدثة “فشعار الدولة الاجتماعية مجرد جعجعة بلا طحين شأنه شأن شعار النموذج التنموي، وغيرها من شعارات سبقت، تجرع بعدها المواطن عموما والشغيلة خصوصا كأس الخذلان والانتكاسات والتراجعات”.

وشددت الفاعلة النقابية في الحوار ذاته، على أن الدولة في أساسها تقوم على الحق في الاستفادة العادلة من الثروة، من خلال تحسين الدخل، والرفع من القدرة الشرائية، وتوفير شروط العيش الكريم بضمان الخدمات الاجتماعية الأساسية مجانا للمواطنين في إطار عدالة مجالية وفئوية، وهذا دونه تحمل الدولة مسؤوليتها الاجتماعية، ومحاربة الفساد، والقطع مع الاستبداد.

الحوار جاء في سياق التخليد العالمي ليوم العمال الذي يصادف فاتح ماي من كل سنة، وبهدف تسليط الضوء على الواقع الاجتماعي بالمغرب، وقد تطرق أيضا لعدد من القضايا والملفات التي لها صلة بورؤية الجماعة للنقابة والواقع النقابي، ودور العمال المغاربة في نصرة قضية فلسطين.

وفيما يلي نص الحوار:

1.      أستاذة حسناء؛ تخلد الشغيلة بالمغرب فاتح ماي لسنة 2024 في سياق حديث متزايد من قبل فاعلين عن استفحال الأزمة الاجتماعية. كيف تقرأون أنتم في القطاع النقابي للجماعة الوضع الاجتماعي في المغرب؟

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه والتابعين.

بداية نقدم تهانينا للشغيلة المغربية والعالمية بعيدهم الأممي، ونأسف لحال الشغيلة بالمغرب التي تخلد فاتح ماي لهذه السنة في ظل وضع اجتماعي واقتصادي معقد يعرف اختلالات متعددة، وإجهازا فظيعا على المكتسبات، واعتداء فاضحا على الحقوق، وتدنيا للقدرة الشرائية لكافة المواطنين المغاربة، في إصرار غير مسبوق للحكومة على الإجهاز على ما تبقى من مكتسبات عموم الأجراء عبر تجميد الأجور والمعاشات، ورفع الدعم عن الكثير من المواد الأساسية، وتفويت عدد من الخدمات الاجتماعية للقطاع الخاص، وتخريب أنظمة التقاعد بالتدريج، وإعداد مشاريع التضييق على الحريات النقابية عبر قانوني الإضراب والنقابات، وعدم الالتزام بمدونة الشغل رغم علاتها، هذا الوضع ساهم في تأجيج الاحتجاجات في مجموعة من القطاعات الحيوية مثل التعليم والصحة والجماعات الترابية وغيرها. وزاد الوضعية تأججا أسلوبُ الاستعلاء والقمع في التعامل مع المطالب المشروعة للشغيلة.

لذلك، فنحن نقدر في القطاع النقابي للجماعة أن الوضع الاجتماعي يزداد سوءا، ويضع الاستقرار الاجتماعي في مهب الريح، ما لم تُقدم الدولة بكل مسؤولية وإرادة حقيقية على الإصلاح العميق والشامل بمقاربة تشاركية.

2.      ما فتئت الدولة والحكومة المغربية ترفعان في الآونة الأخيرة شعار الدولة الاجتماعية، وأعلنت عن سلسلة إجراءات في هذا الصدد. هل في نظركم نحن أمام استراتيجية حقيقية لتجاوز هذا الوضع الاجتماعي كما وصفتموه؟

دعنا أولا نتفق على أن الدولة اعترفت بفشلها في تحقيق التنمية، وإلا ما صاغت نموذجا تنمويا جديدا، وضمنه تقع مجموعة من المشاريع التي تحدثت عنها. ولكن للأسف الشديد، لم ينتظر المغاربة كثيرا ليتبينوا زيف الشعارات المرفوعة.

ذلك أن الدولة الاجتماعية هي أساسا دولة ديموقراطية، تتمتع بمشروع تنموي مستدام شامل، يضمن الحق في المساهمة في صناعة الثروة وتثمين الثروة المادية واللامادية للوطن، من خلال توفير فرص كريمة للشغل مع تثمين الموارد البشرية بالتعليم الجيد والتدريب، ومحاربة الأمية، وتعميم الحماية الاجتماعية لجميع المواطنين، بما فيها التغطية الصحية، والتأمين عند التقاعد والشيخوخة والعجز، كما تقوم الدولة على الحق في الاستفادة العادلة من الثروة، من خلال تحسين الدخل، والرفع من القدرة الشرائية، وتوفير شروط العيش الكريم بضمان الخدمات الاجتماعية الأساسية مجانا للمواطنين في إطار عدالة مجالية وفئوية، وهذا دونه تحمل الدولة مسؤوليتها الاجتماعية، ومحاربة الفساد، والقطع مع الاستبداد. ونحن بعيدون كل البعد، عن هذه المقومات لسبب بسيط هو غياب الإرادة الحقيقية. وإلا فما معنى ضرب صناديق التقاعد، وارتفاع معدلات البطالة، وتحرير الأسعار لاسيما المواد الأساسية، وتفويت القطاعات الأساسية (الماء والكهرباء والطاقة والصحة والتعليم للقطاع الخاص)؟ إننا في ظل دولة ترفع شعارات حالمة، واستراتيجية مزيفة، تنتج واقعا اجتماعيا بئيسا، مطبوعا بهموم تثقل كاهل الشغيلة وترفع التحدي أمام النقابات الجادة، وبالتالي فشعار الدولة الاجتماعية مجرد جعجعة بلا طحين شأنه شأن شعار النموذج التنموي، وغيرها من شعارات سبقت، تجرع بعدها المواطن عموما والشغيلة خصوصا كأس الخذلان والانتكاسات والتراجعات.

3.      كيف تتابعون الحديث عن مشاريع “إصلاحات” يصفها بعضهم بالخطيرة؛ من قبيل إصلاح صندوق التقاعد وقانون الإضراب وقانون النقابات ومدونة الشغل وتفويت بعض القطاعات الحيوية؟

إن القطاع النقابي لجماعة العدل والإحسان كان وما زال يتابع بيقظة هذه المشاريع المتنوعة التي تدخلها الحكومة في خانة الإصلاحات، في الوقت الذي نعتبرها نحن مدخلا من مداخل التخريب والإفساد الذي سيعصف بما بقي من مكتسبات وحقوق الشغيلة؛ بحيث تزيد من إحكام الدولة قبضتها على رقاب المواطنين المستضعفين، وترهن الشغيلة لتسلطها المقيت. إن الهجوم على حقوق الشغيلة، والإجهاز على كرامة العامل والموظف والمستخدم، وتقزيم دور النقابات والتحكم فيه؛ هو العنوان الصحيح لهذه الإصلاحات- الإفسادات- التي تسير الدولة في اتجاه فرضها بقوة قانون جديد هي من حدد معالمه، ورسم حدوده، بشكل يتيح لها إمكانية التحكم في المجال الاجتماعي والاقتصادي، وجعل المواطن رهينة بلا كرامة.

4.      هذا الواقع يحتاج مؤسسات نقابية قوية وفاعلة تتصدى للهجوم على حقوق الشغيلة وتصون مكتسباتها كما تصفون. في هذا السياق حملت الوثيقة السياسية التي أصدرتها، في فبراير الماضي، الأمانة العامة للدائرة السياسية التي ينضوي تحتها القطاع النقابي للجماعة، تصورا للنقابة في مشروع العدل الإحسان. فهلا أوجزتم لنا خصائص هذه النقابة؟

ورد في الوثيقة السياسية أن العمل النقابي هو واجهة أساسية للدفاع عن حقوق الشغيلة؛ ضد العسف والجور والظلم والاستغلال والإقصاء الاجتماعي، وعليها يقع عبء الإسهام في تحقيق السلم الاجتماعي والتعبئة الاقتصادية، والحفاظ على التوازن بين قوة العمل وضغط المشغل، وبين مؤسسات الدولة المسؤولة عن تطبيق القوانين وحمايتها وتطبيقها بما يخدم المجتمع عامة، والعمل النقابي أساسه رفض الاستضعاف، ورفع العسف عن الشغيلة بدءا، لكن بعيدا عن أي شكل من أشكال العنف والميز أو الحقد الطبقي بين فئات المجتمع.

من جهة أخرى، تناولت الوثيقة ما يعرفه العمل النقابي من تراجع، أمام تغول المخزن، بحيث اقترحت رؤية سياسية ومشروعا يؤطر الممارسة النقابية، فهي تنظر إلى العمل النقابي في أفق مستقبل يسود فيه العدل، وتمتلك فيه النقابات ناصية التفاوض من منطلق القوة الضاغطة معنويا وقانونيا، المترفعة عن المزايدات والمنفعة الخاصة، تحمي حقوق الشغيلة، من باب واجبها في الجمع بين مصلحة حماية المستضعفين ومصلحة الأمة، فضياع حقوق الأمة من ضياع حقوق العسيف.

5. لكن، كيف يمكن العبور من الواقع النقابي الحالي إلى ذلك الأفق؟

العبور يقتضي سيرا في طريق معروفة معالمه، محددة مقاصده، موحدة جهود العابرين فيه، وهذا يعني أن تعود النقابات إلى واجهتها الأصلية، بقوة الحق الذي تدافع عنه، وصلابة الثغر الذي تدافع عنه، وحاجة المستضعفين لصدق وإخلاص المنبرين للدفاع عنهم، ولأن قوة النقابة من قوة المناضلين الصادقين، والانخراط الفعال للأجراء والعاملين، فالحاجة ماسة إلى تعبئة تعيد للنقابات اعتبارها. الأفق المنتظر دونه صدق النيات والجدية وتغليب المصلحة العامة والوضوح مع الشغيلة، وهذا يحتاج إلى عمل نقابي له مبادئ وقواعد مؤسسة تقوم على أرضية رفع الظلم وإقامة العدل، بنفس يوحد الجهود، وإرادة قوية تسهم فعلا -لا تمويها- في تقويض دعائم الفساد وتحد من تغول الاستبداد.

6- ما أبرز الخطوات المرحلية التي ينبغي على الجسم النقابي المبادرة إليها بغية الرفع من مهامه النضالية والتأطيرية والدفاع عن حقوق العمال والشغيلة؟

أهم خطوة ينبغي على الجسم النقابي المبادرة إليها هي العمل على استعادة الثقة المفقودة، هذه الثقة لن تعود إلا بوحدة نضالية بين مكونات الجسم النقابي، واصطفاف كلي إلى جانب الشغيلة التي بدأت تفقد حقوقها، ومكتسباتها تضيع منها بوتيرة مخيفة. واعتقد أن الجسم النقابي أمامه فرصة تاريخية ليتقوى نضاليا من أجل استرجاع مهمته في الضغط والتفاوض، فالأسباب الموضوعية للوحدة النضالية متوفرة، والشغيلة أظهرت استعدادها للنضال إلى حد القبول بالاقتطاعات والمزيد من الاقتطاعات دون خوف أو تراجع، بل استمر النضال رغم التوقيفات.

7- كانت القضية الفلسطينية حاضرة بقوة في نداءات وبيانات بعض النقابات وكذا لدى قطاعكم النقابي. ماهي بعض أوجه الإسناد التي تدعم من خلالها الشغيلة المغربية أختها في فلسطين الجريحة خاصة في قطاع غزة المدمر؟

أجمع الممارسون النقابيون على مر التاريخ على عدم انفصال العمل النقابي عن العمل السياسي بصفة عامة، فهو جزء لا يتجزأ منه، ويكفي أن نستحضر أنه في أوطاننا ارتبطت النقابة بحركة التحرر من ربقة الاستعمار. ونحن في القطاع النقابي لا يمكن أن نطمئن لأي تغيير لا يستحضر الرؤية المنهاجية الشمولية والمتكاملة بين كل المجالات، فنحن نرى أن التجزيء لا يفتل في التغيير المنشود، والمجالات مرتبط بعضها ببعض، ولا يمكن نشدان الخلاص بعزل قضية عن أختها، وقضية المسجد الأقصى وقضية فلسطين المحتلة جزء لا يتجزأ من قضايانا الوطنية كما أقرت ذلك الحركة الوطنية. ولا نصرة ولا تحرر ولا تغيير للأمة إلا بتحرر الأقصى، فهي أيقونة الصراع مع الاستكبار العالمي.

ثم إن مقصد العمل النقابي الأسمى هو تحقيق العدل، ورفع الظلم، والشعب الفلسطيني يعيش أبشع أنواع الظلم، والنقابات باعتبارها قوة مجتمعية بإمكانها أن تسهم في مكافحة كل أنواع الظلم المصلت على هذا الشعب الأبي، وتحرج الحكومة من خلال ضغطها عليها في الاتجاه الذي يجعلها تقطع مع التطبيع، ثم إن للشعب الفلسطيني عمالا وموظفين وأجراء، من مختلف الفئات والمجالات أطباء ومهندسين وأساتذة وصحافيين… يمارس عليهم العدو الصهيوني أقسى أنواع العسف والظلم، من خلال ظروف العمل التي يضطرون للاشتغال فيها، والتحديات اليومية التي يواجهونها، بحيث تهدد أمنهم وسلامتهم، وتجعلهم يعيشون في خوف ورعب وعدم استقرار، فمن واجب النقابات في العالم من منطلق إنساني ليس في المغرب و العالم الإسلامي فحسب، أن ينبروا للدفاع عنهم، وفضح جرائم المحتل في حقهم.